|
عرار: عرار: في إطار الاستعدادات للمشاركة بمعرض أبوظبي الدولي القادم للكتاب والذي سيفتح أبوابه للجمهور خلال الفترة من 28 مارس- 2 إبريل ، أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتابًا جديدًا بعنوان "اللغة والقومية والتنمية في جنوب شرق آسيا" أعدّه للنشر لي هوك جوان، وليو سورياديناتا، وترجمه ياسر شعبان. ورُغم أن الموضوع الذي يتطرق له الكتاب على درجة بالغة من الأهمية، لكنه لم يحظ بقدر كبير من الاهتمام في السنوات الأخيرة. وتستعرض مجموعة جديدة من المقالات، التي ينشرها "معهد دراسات جنوب شرق آسيا" الذي يتخذ من سنغافورة مقرًّا له، كفاحات المنطقة لبناء أمم أحادية اللغة. وتكشف الصور التي يعرضها المؤلفون للسياسة اللغوية وبناء الأمة التحدياتِ التي ما زالت أمم جنوب شرق آسيا تواجهها في معالجة تنوع سكانها الإثني واللغوي وسوق اللغة العالمية. وتعرض فصول الكتاب، التي تتناول الفلبين وإندونيسيا وسنغافورة، أمثلة للأساليب المتنوعة المتخذة في التعامل مع اللغة والهوية الوطنية، وتسلط الضوء على الدور الرئيس للبرامج التعليمية في تنفيذ السياسات الوطنية. وتكشف هذه الأمثلة وما سواها الدور البارز الذي لعبته سياسات تعليم اللغات في النقاشات الوطنية حول الهوية الوطنية والمصالح الوطنية. يقدم الكتاب مساهمة جديرة بالترحاب في تحليل السياسة اللغوية وبناء الأمة في منطقة جنوب شرق آسيا بما تتميز به من تعددية في اللغات. وينجح هذا العمل في تنبيه القراء إلى الأساليب المعقدة التي تجري بها إعادة تشكيل اللغات الوطنية. ويعدّ هذا الكتاب بوجه عام مساهمة مهمة في دراسة السياسة اللغوية وبناء الأمة في جنوب شرق أسيا؛ حيث يورد معلومات تفصيلية ومناقشة مسهبة لهذه القضية في كل واحد من البلدان السبعة محل البحث. وما يجعل هذا الكتاب مفيدًا بوجه خاص هو مقدمة وانج جانجوو التي تضفي لمسة إنسانية لأكاديمي يستخدم هذه السياسات اللغوية، والفصل الختامي الذي يحمل عنوان "سياسة فيتنام اللغوية والإعلامية في خدمة بناء أمة منزوعة الإقليمية" بقلم أشلي كاروثرز. ففي حين تفتح المقدمة الباب أمام النقاشات التي ستتلو بعد ذلك في الفصول اللاحقة، يلقي الفصل الختامي نظرة تتجاوز الإقليم الطبيعي للأمة، فتتجه في حالتنا هذه إلى الشتات الفيتنامي حول العالم، وهو ما يقتضي فيما يبدو بُعدًا جديدًا لقضية السياسات اللغوية وبناء الأمة. تشكَّلت السياسات اللغوية في جنوب شرق آسيا بفعل عملية بناء الأمة من ناحية، وبفعل الاعتبارات السياسية والاقتصادية من ناحية أخرى. وقد تمخضت السنوات الأولى من بناء الأمة في جنوب شرق آسيا عن صراعات لغوية محتدمة تعود أسبابها إلى فكرةَ الأمة أحادية اللغة. ويمكن القول في السنوات الأخيرة بأن السياسات اللغوية تتأثر بدرجة متزايدة بالاعتبارات البراجماتية، وبالأخص العولمة والوعي بوجود رابط بين اللغة والتنمية الاقتصادية، إلى حدّ أن دول جنوب شرق آسيا صارت، بدرجات متفاوتة، أقل إصرارًا على ترسيخ القومية أحادية اللغة. يقيّم الكتاب نجاحات السياسات اللغوية وسلبياتها في إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلند وفييتنام وميانمار، لا سيما الكيفيات التي تعرضت بها هذه السياسات للمقاومة أو المعارضة. إنه كتاب تمهيدي عظيم القيمة حول هذه المنطقة المعقدة لغويًّا، كما يعد منهلًا للباحثين وواضعي السياسات ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في مختلف أرجاء العالم التي تواجه قضايا إثنية ولغوية تشكل قدرًا مماثلًا من التحديات. ومع نيل بلدان المنطقة استقلالها، أراد معظمها أن ينطق مواطنيها بلغة وطنية واحدة، لكن تبيّن في بعض الأحيان أن اختيار مرشح مقبول للقيام بهذا الدور أمر صعب، وهو ما مهد الساحة لـ"الحروب اللغوية" التي ما زالت تستعر إلى الآن. وثمة موضوعات عديدة يبرزها الكتاب، أولها أن العولمة تفرض القيود على الاستخدام اليومي للغة الإنجليزية، وثانيها أن كثيرًا من الحكومات بدأت ترى جالياتاها التي تنتمي إلى أصل صيني كمقومات ثمينة لا كتهديدات في ظل صعود نجم الصين الاقتصادي، وثالثها أن إرساء الديمقراطية واللامركزية ربما يؤدي إلى إحياء اللغات المحلية والقبلية، وكل واحد من هذه الاتجاهات يقوض المسعى إلى اتخاذ لغة وطنية واحدة توحد الشعب. شهدت الفلبين بالأخص حروبا لغوية مريرة. فبُعيد الحرب العالمية الثانية، اختار البلد -الذي كان شبه مستقل - اللغة التاجالوجية، التي كانت بالفعل اللغة المستخدمة في المنطقة كثيفة السكان المحيطة بمانيلا، لتكون اللغة الوطنية المستقبلية، فأثارت هذه الخطوة ضيق الناطقين بلغات الأرخبيل الأخرى البالغ عددها 120 ونيّف لغة، لذا اخترع البلد لهجة رسمية جديدة تتضمن شذرات من اللغات المحلية الأخرى وسميت البلبينية Pilipino ثم غُيّر اسمها لاحقًا إلى الفلبينية Filipino. وعلى الرغم من النزاعات المتكررة، ترتب على تبنِّ المدارس ووسائل الإعلام اللغة الفلبينية أن صارت لغة شبه عامة، حيث أظهر التعداد الذي أجري في 2000 أن 96.4% من الحاصلين على الشهادة الابتدائية على الأقل يمكنهم التحدث بها. لكن كثيرًا من الفلبينيين صاروا يدركون مزايا التحدث باللغة الإنجليزية، وهي اللغة العالمية بحكم الواقع، فانتابهم القلق من تضاؤل استخدامها. وعلى الرغم من أن التعداد أظهر أن 64% ممن هم فوق 5 سنوات يمكنهم التحدث باللغة الإنجليزية، فإن طلاقتهم في استخدامها ربما تكون في تراجع. هناك أعداد قياسية من الفلبينيين يعملون في الخارج، وتساعد تحويلاتهم على دعم اقتصاد البلد. وقد شهدت الفلبين، كما هو الحال مع الهند، طفرة في مراكز الاتصال وغيرها من أعمال التعهيد التي تتطلب لغة إنجليزية سليمة. لذا في 2003 عادت المدارس إلى استخدام اللغة الإنجليزية بالدرجة الأولى في التدريس (على الرغم من أن معظم هذه المدارس -كما يبين كتاب معهد دراسات جنوب شرق آسيا- كانت طيلة الوقت تستخدم اللغة الإنجليزية في تدريس الرياضيات والعلوم). في ذلك العام نفسه، أمرت الحكومة الماليزية بالعودة إلى تدريس مقررات الرياضيات والعلوم الأساسية باللغة الإنجليزية بعد عقود من تشجيع لغة الملايو. وقد جاءت هذه التوجيهات -من جديد- استجابةً لشواغل بشأن فقدان ميزة تنافسية (أيضًا برزت شواغل مماثلة في الهند وسريلانكا). وأدت فرض لغة الملايو على الأقليتين الكبيرتين ذواتي الأصل الصيني والهندي إلى التنوع أكثر من التوحد؛ إذْ أن كثيرًا من أطفال هاتين الأقليتين يرتادون الآن مدارس منفصلة يتحدثون فيها بالدرجة الأولى اللغة الصينية أو لغة التاميل مثلما يفعلون في بيوتهم. وتعدّ لغة إندونيسيا الوطنية، وهي إحدى لهجات لغة الملايو وتسمى باهاسا إندونيسيا أو اللغة الإندونيسية وكفى، حالة استثنائية من حيث كونها ليست لغة فئةٍ سكانية مهيمنة؛ إذْ لا يزيد مَن ينتمون إلى عرق الملايو عن نحو 3% من إجمالي تعداد السكان. وقد ساعد هذا على قبولها من جانب الفئات العرقية الإندونيسية التي تربو عن 300 فئة مختلفة، لكن ترتب عليه أيضًا أن شهد تبنيها بطئًا. وحتى في يومنا هذا، وفي حين أن ما يزيد على أربعة أخماس السكان يفهمون اللغة الإندونيسية، فلا يستخدمها إلا نحو ثلث تعداد السكان كلغتهم الرئيسة. وتستخدم المستعمرة الإندونيسية السابقة تيمور الشرقية (غير مشمولة بكتاب معهد دراسات جنوب شرق آسيا) اللغة البرتغالية (وهي اللغة قليلة الاستخدام التي كانت تنطق بها طائفة سابقة من الاستعماريين)، مما ترك المستعمرة من دون لغة معتمدة؛ فلغة التيتوم، وهي اللهجة الدارجة الرئيسة، تعتبر غير متطورة بدرجة كافية للاستخدام الرسمي. وهناك كثير من الناس يفهمون اللغة الإندونيسية، لكن الكثيرين لم يعودوا يرغبون في سماعها. تضم معظم بلدان جنوب شرق آسيا أقليات عرقية كبيرة من أصل صيني اتسمت المواقف الرسمية تجاهها في أحسن الأحوال بالتأرجح. بيد أن النمو الذي حققته الصين يشجع بعض الدول مثل تايلند إلى نشر تدريس اللغة الصينية في أماكن ربما غضت الطرف ذات يوم عنها. وعلى نحو مماثل، تهيمن على سنغافورة نخبة من أصل صيني بريطانية التعليم لطالما شجعت اللغة الإنجليزية بوصفها لغة العمل الرئيسة، لكن سنغافورة أطلقت حملة في 1998 ترمي إلى تشجيع الناس على التحدث بلغة المندرين. وسرعان ما تلت هذه الحملةَ أخرى لوقف تدهور مستويات اللغة الإنجليزية؛ فالشباب السنغافوري يميل إلى التحدث باللغة "السنجليزية" العامّية. تسعى معظم مدارس بلدان جنوب شرق آسيا، باستثناء سنغافورة، بصعوبة إلى تدريس الأساسيات، وقد يؤدي تدريس اللغات العالمية بالإضافة إلى اللغة الوطنية إلى زيادة أعبائها. وتبرز ضغوط مماثلة في تايلند. فعلى الرغم من أن استخدام تايلندية بانكوك إلزامي في تدريس جميع العلوم بالمدارس، فإن نحو ثلث تعداد السكان -ويتركزون في الجزء الشمالي الشرقي من البلد- يتحدثون اللغة اللاوية كلغتهم الأصلية. حتى فيتنام تسمح على نحو متزايد ببث برامج ناطقة بلغات أقلياتها الإثنية الصغيرة. الأمر الأشد إثارة للقلق هو أن تعليم لغات عالمية، بالإضافة إلى اللغات المحلية، ربما يؤدي إلى استحكام الفوارق الطبقية. وبينما يتمتع أطفال الحواضر الكبرى بعائدات متزايدة من تعلم اللغتين الإنجليزية والصينية، فربما تخفق المدارس الكائنة في الأقاليم المحرومة، المتوقع منها بشكل أو بآخر تدريس لغات عالمية ووطنية ومحلية، في تأهيل تلاميذها تأهيلًا كافيًا في أي من هذه اللغات. محررا الكتاب هما: ليو سيرياديناتا، متخصص في دراسة العلاقات السنغافورية - الإندونسية والإثنية الصينية والمواطنة والقومية في جنوب شرق. له أكثر من 50 مؤلفًا في هذا المجال بالإندونيسية والإنجليزية والصينية، بالإضافة إلى 30 فصلاً في مجموعة من الكتب بالمشاركة مع آخرين و15 مقالاً في الدوريات الدولية وأكثر من مائة ورقة بحثية شارك بها قي المؤتمرات المختلفة. ويشغل منصب مدير مركز التراث الصيني بجامعة نانيانج التكنولوجية بسنغافورة. والمحرر الثاني هو لي هوك غوان، زميل معهد دراسات جنوب شرق آسيا بسنغافورة. له العديد من المؤلفات والأبحاث في مجالات اللغة والإثنية والهوية والمواطنة في جنوب شرق آسيا. أما بالنسبة لمترجم الكتاب فهو ياسر شعبان، كاتب وروائي ومترجم من مصر، له العديد من الأعمال المترجمة من بينها: "العولمة والواقع الجديد" لـمحاضير محمد، "حكايات عن إساءة الفهم بين ثقافتين" لأومبرتو إيكو، "العين" لـفلاديمير نابوكوف. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة جمعية نوافذ للترجمة والتنمية والحوار. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 05-02-2012 02:40 مساء
الزوار: 1231 التعليقات: 0
|