|
استفاد العديد من الخطاطين من قابلية فن الخط العربي للمزج مع الفنون الأخرى، خاصة الإسلامية منها، وذلك بطريقة لا تؤثر في كون العمل في الأصل لوحة خطية، وهذا ما تعود الفنانون عليه في لوحات خط التعليق أو النستعليق، حيث يطغى الطابع الفني الإسلامي، خاصة حين يتم تنفيذه من طرف فنانين كبار مثل العراقي الدكتور صلاح الدين شيرزاد. يعد صلاح الدين شيرزاد من أوائل الخطاطين الذين أدخلوا النهج التعبيري في لوحاتهم، حيث يربط فيها بين الشكل والمضمون، كما يعتبر من أوائل الخطاطين الذين خرجوا عن القوالب التقليدية الثابتة في التركيب، منطلقاً في تصميم تراكيب حرة، ومطوّراً أشكال بعض الحروف في أنواع الخط المختلفة، ويعمل على وصل بعض الحروف ببعضها بشكل مبتكر لم يسبق إليه، وقد كان إجراؤه لكل تلك التحديثات عن وعي تام، إذ كان في طليعة الخطاطين التقليديين الداعين إلى ضرورة التجديد في فن الخط بشكل عام، عوضاً عن التمسك بكلّ التقاليد الموروثة بحذافيرها، وهو ما بدر منه في وقت مبكر من حياته الفنية، وطبَّقه في العديد من أعماله، مثل اللوحة التي بين أيدينا. كتب الخطاط شيرزاد في لوحته هذه جزءاً من الآية 17 من سورة لقمان، حيث يقول جلّ من قائل: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وهو مقطع من نصيحة لقمان الحكيم لابنه، تلك النصيحة التي خلّدها الله في كتابه ليستفيد منها البشر في كلّ زمان ومكان، واختاره الخطاط لكونه يحث على الصبر على المصائب، وتحمّل نوبات الحياة، وهو ما لا يوفّق له إلا من كان قويّ العزيمة. صمَّم شيرزاد هذه اللوحة في قالب فنيّ مُبهج، يمزج بين ما يرى ضرورة استخدامه من الفنون الإسلامية، فرغم ما يبدو عليه شكل خط النستعليق من بساطة، إلا أن ذلك المزج مكّن الفنان من تقديمه في هيئة جمالية أخاذة، تسافر بالمشاهد إلى أعلى مقامات المتعة الفنية. وقد خطّ النص في سطرين أفقيين، حيث كتب في أولهما «وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ»، وكتب في الثاني «إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»، وهو ما لم يقم به اعتباطاً، بل تعمدّه لكون كل سطر يعبر عن معنى معين، فالأول دعوة إلى التزام الصبر، والثاني دليل على صفة من يلتزم ذلك الصبر، وهي كونه من أهل العزم على الأمور. كما يلاحظ المشاهد للوحة التزام الخطاط بالخصائص الفنية للنستعليق، وخاصة أسلوبه الحديث، من خلال الأرضية الملونة، والأطر الزخرفية التي كوّن منها سحابتين، جعل في كلّ واحدة منهما أحد السطرين، بالإضافة إلى التزيينات الزخرفية الأخرى التي شكّلت مع الهيئات المتباينة للحروف ملمحاً بصرياً مشرقاً، يؤكد القدرة الفنية التي يمكن لهذا الفنان المبدع أن يظهر بها جماليات فن الخط العربي التقليدي. ولد الدكتور صلاح الدين شيرزاد في كركوك سنة 1948م، وتتلمذ في فن الخط العربي على كلّ من د. عبد الغني العاني، وهاشم البغدادي، وحامد الآمدي الذي نال على يديه الإجازة، ودرس فن الزخرفة، وأكمل دورة في الفن التشكيلي بجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وهو حاصل على دكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي من جامعة إسطنبول 1996، وعضو مؤسس في كلٍّ من جمعية الخطاطين العراقيين، وجماعة الخط العربي بالإمارات، وجمعية الحفاظ على الكتابة العربية بنيويورك، وعضو مشارك في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية التي دَرَّس فيها الخط والزخرفة، كما درّسهما في معهد الخط العربي والفن الإسلامي، ومركز الخط العربي والزخرفة بالشارقة، وأقام معارض شخصية وجماعية في العديد من الدول، وفاز بجوائز عديدة في المسابقات التي أجريت بتركيا، والعراق، والإمارات، وإيران، بالإضافة إلى مشاركته في ندوات ومؤتمرات محلية وعالمية، كما نشر مقالات عديدة، وتنتشر أعماله الخطية والزخرفية في عدة دول، وشغل منصب مدير تحرير مجلة «حروف عربية» من سنة 2000 إلى 2003، ورئيس تحرير مجلة «فنون إسلامية» سنة 2009، ومحاضر في كلية الفنون الجميلة بجامعة الشارقة ما بين سنة 2006 و2009، وعضو الهيئة التدريسية بجامعة السلطان محمد الفاتح منذ 2014. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الثلاثاء 06-05-2025 12:23 صباحا
الزوار: 32 التعليقات: 0
|